الحوار بين الرضا وجاثليق في مجلس المأمون :
كان الخليفة المأمون العباسي وهو ذا دراية بالفلسفة وعلم الكلام ويبدو انه قد درس المسيحية وتعمق فيها وألمّ بمسائلها الكبرى، فكان أحياناً يستدعي بعض القسيسين من حران وإنطاكية ويجمع بينهم وبين علماء المسلمين في حوارات عامه وخاصة تدور موضوعاتها حول شخصية المسيح وبعض القضايا الإسلامية والمسيحية ومن هذه الحوارات الحوار التالي الذي جرى بحضور عدد كبير من العلماء والفقهاء و أهل الملل وأصحاب المعتقدات ، جاء فيه:
- قال الجاثليق: كيف أحاج رجلاً يحتج علي بكتاب أنا أنكره؟ وبنبي لا أؤمن به؟
- فقال له الرضا: يا نصراني فان احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟
- قال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى وكتابه؟ وهل تنكر منهما شيئاً؟
- قال الرضا: أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقرت به الحواريون وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد r وبكتابه ولم يبشر به أمته.
- قال الجاثليق: أليس إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟
- قال : بلى.
- قال الجاثليق: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد r ممن لا تنكره النصرانية ، وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا، فذكر له الرضا اسم(يوحنا الديلمي) من أصحاب المسيح u .
- قال الجاثليق : بخٍ بخٍ ذكرت أحب الناس إلى المسيح.
- قال الرضا: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال : إن المسيح اخبرني بدين محمد العربي وبشرني به، انه يكون من بعدة فبشر به الحواريين فآمنوا به؟
- قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل ولم يلخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم .
ثم قرأ له الرضا من الإنجيل المقاطع التي ذكر فيها النبي r واستحلفه قائلاً :
- ما تقول يا نصراني ؟ هذا قول عيسى بن مريم ، فإن كذّبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذّبت موسى وعيسى عليهما السلام ومتى أنكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك ونبيك وكتابك ؛ فأقر بذلك الجاثليق .
ويبدو أن الاستدلال كان بالإنجيل الذي كان على عصر الرضا ثم حرف من بعده .
ثم قال الرضا في موضع آخر :
- يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن به محمد r وما ننقم من عيساكم إلا ضعفه وقلة صيامه وصلاته .
- فقال الجاثليق : أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك وما كنت ظننت إلا إنك أعلم أهل الإسلام .
- قال الرضا: كيف ذلك؟
- قال الجاثليق : من قولك أن عيسى كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة وما أفطر عيسى يوماً قط ولا نام بليل قط ومازال صائم الدهر قائم الليل.
- قال الرضا : فلمن كان يصوم ويصلي ؟ فسكت الجاثليق !!
ثم قال الرضا : يا نصراني أسالك عن مسألة.
- قال :سل.
- قال:ما أنكرت أن عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله تعالى؟
- قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل ؛ إن من أحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو رب مستحق لأن يعبد.
- قال الرضا: فإن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى؛ مشى على الماء وأحيى الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فلم تتخذه أمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله عز وجل وأتى بالأدلة من التوراة . فسكت الجاثليق .(1)
حوار أبي الأشعري وبعض علماء المسلمين مع فيلسوف نصراني :
جاء في كتاب عيون المناظرات نقلاً عن صاحب كتاب ( بهجة الإشراق )أن فيلسوفاً نصرانياً قدم بغداد وطلب الحوار مع علماء المسلمين فجمع له الخليفة كلاً من الصالحي والجبائي والكعبي والأشعري ، فتقدم الصالحي وكان من علماء المعتزلة فأخذ في الاستدلال وأثبت الأعراض فسلم له النصراني إثباتها ، ثم أثبت لها حدوثها ؛ فسلم له هذا الأصل الثاني أيضاً وقال : لايضرني (أي النصراني) وإنما مدار الأمر عندي على جسوم العالم ،فلما بلغ معه إلى الأصل الثالث ،الذي هو استحالة تعري الجواهر عن الأعراض ؛ قطعه النصراني :لأنه شاع من مذهب الصالحي القول بعروّ الجواهر عن جملة الأعراض ، فقال له :كيف تلزمني بأمر لا تعتقده ولا تقول به ؟فانقطع الصالحي .
ثم تقدم أبو القاسم الكعبي فأثبت الأعراض وحدوثها فسلم له النصراني ذلك فلما بلغ معه إلى الأصل الثالث وهو بيان عروّ الجواهر عن الأعراض .
قال النصراني : وأنت شاع في مذهبك أيضاً أن الجواهر تخلق من كل جنس من أجناس الأعراض إلا عن الألوان،فقطعه ؛ لأنه يلزمه ما قال به من العروّ في جميع الأعراض وإلا كان متحكماً والتحكم غير مقبول .
فتقدم أبو علي الجبائي فأثبت الأصلين ، فلما وصل إلى إثبات الأصل الثالث وهو استحالة عرو الجوهر عن الأعراض وتبين أن ما لا يسبق من الحادث فهو حادث بالضرورة فلم يكن للنصراني عليه قيام ؛لأنه لم يؤثر عن أبي الحسن القول بالعرو ، فتمت حجة الأشعري وأسلم النصراني.(2)
حوار بين مسلم ومسيحي في الهند عام 1845م في القرن التاسع عشر
لم يكن هذا الحوار إلا نوعاً من الجدل الديني المنتشر بين عامة المسلمين والمسيحيين ؛حيث كان رداً على ادعاء قام بعرضه أحد المسيحيين لإثبات وجود التثليث في العقيدة الإسلامية إذ يقول : إن التثليث جاء مثبتاً في الإسلام بدليل قوله تعالى)بسم الله الرحمن الرحيم (حيث هناك ثلاثة أسماء فدل على التثليث ؛فأجاب المسلم : لقد قصرت ؛ عليك أن تستدل بالقرآن على التسبيع بمبدأ سورة غافر في قوله تعالى )حم * تنـزيل الكتاب من الله العزيز العليم * غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول( (3)،بل عليك أن تقول إنه يثبت وجود سبعة عشر إلهاً في القرآن بثلاث آيات من أواخر سورة الحشر
)هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة * هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون* هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات وهو العزيز الحكيم(4)(وهذه السورة التي ذكر فيها سبعة عشر اسماً من أسماء الذات والصفات متوالية. (5)
الحوار بين الشيخ محمد عبده وبعض المسيحيين
وكانت أشهر تلك الحوارات مع القسيس (إسحق تيلور)الإنكليزي وذلك في الشام، أثناء نفي الشيخ إليها عام (1883)م.وأيضاً حوارا ته مع المستشرق (غبريال هانوتو)، وقد قام الشيخ محمد عبده بتأليف كتاب بعنوان"الإسلام " رد فيه على مطاعن وافتراءات المستشرق (هانوتو) قال الشيخ المسلم لأحد القساوسة ، لما حدثه عن المسيح
وعبادته: عبدتم المسيح عيسى ابن مريم لأنه لا أب له ، فضموا آدم مع عيسى حتى يكون لكم إٍلهان اثنان
، وإن كنتم عبدتموه لأنه أحيا الموتى ، فهذا حزقيال مر بميت – تجدونه في الإنجيل لا تنكرونه – فدعا الله عز وجل فأحياه له حتى كلّمه ، فضموا حزقيال مع عيسى وآدم حتى يكون لكم ثلاثة، وإن كنتم عبدتموه لأنه أراكم المعجزات فهذا يوشع بن نون ، قاتل قومه حتى غربت الشمس ، فقال لها : ارجعي بإذن الله فرجعت اثني عشر برجاً ، فضموا يوشع أيضاً إلى عيسى يكون رابع أربعة وإن كنتم عبدتموه لأنه عرج به إلى السماء فهذا محمد قد عرج به إلى السماء ، فضموه إليه يكون لكم خامس خمسه فسكت القسيس.
ـــــــــــــ
(1) الحوار الإسلامي المسيحي .بسام داوود عجك .ص 186-187-188.
(2) انظر عيون المناظرات ص232، عن الحوار الإسلامي المسيحي ،بسام داوود عجك ص188-189.
(3) سورة غافر1-3.
(4) سورة الحشر 22-24.
(5) انظر إظهار الحق ص1-38،وما بعدها عن الحوار الإسلامي المسيحي .بسام داوود عجك ص183.