لطيفة قرآنية
(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) ... وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّلْبِ صُلْبُ الرَّجُلِ ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّرَائِبِ فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهَا تَرَائِبُهُ أَيْضًا ، وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ مَا بَيْنَ التَّرْقُوَةِ إلَى الثَّنْدُوَةِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ تَرَائِبُ الْمَرْأَةِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) وَلَمْ يَقُلْ يَخْرُجُ مِنْ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَاءُ الرَّجُلِ خَارِجًا مِنْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَمَا قَالَ فِي اللَّبَنِ : ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ ).وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَالنُّطْفَةُ هِيَ مَاءُ الرَّجُلِ ، كَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَالنُّطْفَةُ الْمَاءُ الصَّافِي قَلَّ أَوْ كَثُرَ ، وَالنُّطْفَةُ مَاءُ الرَّجُلِ ، وَالْجَمْعُ نُطَفٌ ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِالدَّفْقِ وَالنَّضْحِ إنَّمَا هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ ، وَلَا يُقَالُ نَضَحَتْ الْمَرْأَةُ الْمَاءَ وَلَا دَفَقَتْهُ ، وَاَلَّذِي أَوْجَبَ لِأَصْحَابِ الْقَوْلِ الْآخَرِ ذَلِكَ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا : التَّرَائِبُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ.
قَالَ الزَّجَّاجُ : أَهْلُ اللُّغَةِ مُجْمِعُونَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْشَدُوا لِامْرِئِ الْقَيْسِ : مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ * تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ
وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ التَّرَائِبِ بِالْمَرْأَةِ ، بَلْ يُطْلَقُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ .
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : التَّرَائِبُ عِظَامُ الصَّدْرِ مَا بَيْنَ التَّرْقُوَةِ إلَى الثَّنْدُوَةِ .
. اهـ إعلام الموقعين للعلامة ابن القيم : 1/145 .