تفاعل الناس من كافة الملل والنحل مع مناسبات الأعياد في ظروف الزمان والمكان المتنوعة، وتم التعارف على أن يوم العيد هو يوم فرحة، ولكن الظروف الخاصة قد تحول المناسبة إلى وضع آخر، فالغريب تهيج أشواقه لرؤية أهله في العيد، والشوق الزائد عن الحدَّ يورث الحزن، وبذلك تتحول فرحة العيد، وربما تداهم الأمة مصائب كبرى تحول فرحة العيد مأساة مضاعفة، وتنوع أحوال العيد يُنتِج تفاعُلاً إنسانياًّ يجسده الناس في أقوالهم وأفعالهم، وقد حفظت لنا كتب الأدب والتاريخ الكثير من الأقوال والأفعال التي حصلت في مناسبات الأعياد على مرّ الزمن.
ومن المشاهير بالتهاني الممزوجة بالتحريض الشعوبي إبراهيم بن هلال بن هرون الصابي الحراني، ومن أقواله يهنئ عضد الدولة البويهي بعيد الأضحى:
اسلمْ ودُمْ للرُّتبةِ العلياءِ *** وتملَّ مُلككَ في أمَدِّ بقاءِ
واستقبلِ العيدَ الجديدَ بغبطةٍ *** ومسرةٍ وزيادةٍ ونماءِ
وكفاك من نَحْرِ الأضاحي فيه ما *** نحرَتْ يَمينُكَ مِن طلا الأعداءِ
وكتب وقال أبو إسحاق الصابي في قصيدة هنا بها صمصام الدولة البويهي بعيد الأضحى:
يا سنة البدر في الدياجـي *** وغرَّة الشمس في الصباحِ
صمصام حربٍ وغيث سلمٍ *** ناهيك في البأس والسماح
اسعدْ بفطرٍ مضى وأَضْحَىْ *** وافاكَ باليُمن والنّجاحِ
وانْحَرْ أعادي بني بُوَيْهٍ *** بالسيفِ في جُملةِ الأضاحي
ومن أقوال أبي إسحاق الصابي في التهنئة بعيد الأضحى:
يا سيداً أضحى الزما *** ـن بأنسه منه ربيعا
أيام دهرِك لم تزَلْ *** لِلنّاس أعياداً جَمِيعاً
حتى لأوشَكَ بينَها *** عيدُ الحقيقة أن يضيعا
وقال أبو إسحاق الصابي يهنئ بعض الوزراء بالعيد:
إذا دعا الناسُ في ذا العيد بعضَهم *** لبعضهم وتمادى القولُ واتَّسَعا
فصيَّر اللهُ ما مِنْ فضلِهِ سألوا *** فيه لسيدِنا الأستاذ مُجتمعا
حتى يكونَ دُعائي قد أحاط له *** بكلِّ ذلك مرفوعاً ومستمعا
وقال أبو إسحاق الصابي يهنئ المطهر بن عبد الله بمناسبة العيد:
عيد إليك بما تحب يعود *** بطوالعٍ أوقاتهن سعودُ
مُتباركاتٍ كلّ طالعِ ساعةٍ *** يوفي على ما قَبْلَه ويزيدُ
يأتيك من ثمر الْمُنى بغرائبٍ *** مَعدومُها لكَ حاصِلٌ مَوجُودُ
وقد قال أحد الشعراء المتشائمين بمناسبة العيد أبياتاً رواها أبو الغنايم الحسن بن علي بن الحسن بن حماد المقري، قال أنشدني محمد بن علي الأديب، ولم يذكر قائله:
من سرَّهْ العيدُ الجديدُ *** فما لقيتُ بهِ سُرورا
كان السُّرورُ يطيبُ لي *** لو كان أحبابي حُضورا
وقال عبد الله بن الحسين بن أحمد بن الحجاج يصف بؤسه يوم العيد:
قالوا: أتى العيدُ فاستبشرْ به فرحاً *** فقلتُ: مالي وما للعيدِ من فرحِ
قد كان ذا، والنوى لم تُمْسِ نازلةً *** بعقوتيْ وغرابُ البينِ لم يصِحِ
أيامَ لَم يحترِقْ قربي البعاد ولم *** يَعْدُ الشتاتُ على شملي، ولم يَرُحِ
فالآنَ بعدَك قلبي غيرُ مُتَّسِعٍ *** لِما يُسِرُّ وصَدري غيرُ مُنشرح
العَقوَةُ: العَقَاةُ، أي: المكان المتّسع أمام الدار أو المحلّة أو نحوهما؛ ويقال: اجتمع أقاربه في عقوة الدار ليشاركوه في الفرحة، والجمع: عِقاءٌ.
وقال أبو الحسين، هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال بن الصابي الكاتب: أنشدنا جدي إبراهيم بن هلال الصابي لنفسه أبياتاً كتب بها إلى بعض الرؤساء في عيد الأضحى المبارك، لسنة سبعين وثلاثمائة للهجرة/ 980 م:
لا تزالُ كلُّ دعوةٍ مَسموعَهْ *** من يدٍ ونحورٍ بها مرفوعَهْ
للرئيسِ الأستاذ في موسم الأضـ *** ـحى وفي كلِّ موسمٍ مجموعَهْ
هذه جملة الدُّعاء الذي عمَّـ *** ـتْ وضمَّت أصولَه وفروعَهْ
وقديماً أسْدَلَ اختصاري لِلفـ *** ـظ ثُغوراً من المعاني وسِيعَهْ
وقال أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغا يمدح بهاء الدولة بمناسبة يوم العيد:
أعلَت سعودَ بهاءِ الدولة الفلكُ *** الأعلى فما فيه نجمٌ غيرُ مسعودِ
وقابل العيدُ منهُ حين قابلَهُ *** من ملكِهِ كلَّ يومٍ منه في عيدِ
وليس يرضى مساعيك التي بهرَتْ *** بأن يُهَنَّأَ موجودٌ بِمفقودِ
لقد أورد خليل بن أيبك الصفدي بعض التهاني في كتابه أعيان العصر وأعوان، ومن ذلك أشعار محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن تميم بن حامد، أقضى القضاة تقي الدين أبو الفتح بن أبي البركات بن أبي زكريا الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي الذي قال:
مُنذ بعدتم فسروري بعيدْ *** وبعدكم لم أتمتع بسعيدْ
وكيف يهوى العيدَ أو نزهةً *** شهيدُ وَجْدٍ، ودُموعٍ تزيدْ
فالبحرُ من تيارِ دمعي لهِ *** يبكي بهِ والعيدُ عيدُ الشهيدْ
وذكر عبد الرزاق البيطار في كتابه حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ترجمة السيد محيي الدين باشا بن السيد الأمير عبد القادر بن السيد محيي الدين الجزائري الحسني المتصل نسبه إلى عبد القادر الجيلاني الحسني الذي قال:
أهنئكَ يا بدرَ السّيادة والفخرِ *** بِعيدٍ سعيدٍ بعدَ ما نلتَ من أجرِ
فدُمْ مَلجأً للناسِ في العِلم والنّهى *** يُهني بكم عِيد الضَّحية والفِطْرِ
فلا زلتَ يا مولاي ترفلُ دائماً *** بثوبِ الْهَنا والعزِّ ما رجَّع القمري
ومن الاستتباع قول زكي الدين بن أبي الأصبع:
تَخَيَّلَ أَنَّ القِرْنَ وافاهُ سائِلاً *** فَقابَلَهُ طَلقَ الأَسرَّةِ ذا بِشْرِ
ونَادَى فرِنْدَ السَّيْفِ دُونكَ نَحْرَهُ *** فأحسنُ ما تُهْدَى اللآلي إلى النَّحْرِ
وقد أخذ الشاعر ابن نباتة المصري نُكتة النحر فقال:
تَهَنَّأ بعيدِ النَّحْرِ وابْقَ مُمَتَّعاً *** بأَمثالهِ سَامِي العُلا نافِذ الأَمْرِ
تُقلِّدنا فيهِ قلائِدَ أَنعُمٍ *** وأَحسنُ ما تبْدو القلائِدُ في النَّحْرِ
أورد الثعالب في رسائله باب التهاني، فذكر حَلَّ قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي في التهنئة بالقدوم من الحج حيث قال:
إما حججت فمقبولٌ ومبرورُ *** موفَّرُ الحظِّ منك الذنبُ مغفورُ
قضيتَ من حجَّةِ الإسلام واجبَها *** ثم انصرفتَ ومِنكَ السَّعي مشكورُ
شكراً شكراً يا سيدي أطال الله بقاءك فقد قصدت أكرم المقاصد. وشهدت اشرف المشاهد. وزرت البيت العتيق المعظم. وخدمت الركن والحطيم وزمزم. فوردت مشارع الجنة. وخيمت بمنازل الرحمة. وأديت القرض. وقضيت الفرض. وانقلبت إلى أهلك مسروراً موفوراً، فجعل الله حجّك مبروراً. وسعيك مشكوراً، وموازينك راجحة. وتجارتك رابحة. والبركات إليك غادية رائحة "
وذكر الثعالبي رسالة أخرى في حلِّ قول أبي الطيب المتنبي يهنئ سيف الدولة الحمداني التغلبي بالعيد:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده *** وعيد لمن سما وضحا وعيدا
فذا اليوم في الايام مثلك في الورى *** كما كنت واحداً كان أو حدا
وذكر الثعالبي الأدعية في التهنئة بالعيد في كتاب: سحر البلاغة وسر البراعة، ومما ورد فيه تهنئة قال فيها:
عاودتك السعود، ما عاد عيد واخضر عود. وعاد السرور إليك في هذا العيد، وجعله الله مبشراً بالجدّ السعيد، والخير العتيد، والعمر المديد، وجعلك الله من كل ما دعي ويدعى له في الأعياد، آخذاً بأكمل الحظوظ والأعداد، أفطِرْ وأكباد أعدائك تنفطر، والدنيا بعينيك تنظر، وبالسعود تبشر. أسعد الله سيدي بهذا العيد سعادة توفر من الخير أقسامه، وتقصر على النعمى أيامه، وتحقق آماله، وتزكي أعماله. جعل الله أيامه تواريخ وأعيادا، وجعل له السعادات آماداً وأمدادا.