كلمة جميلة جدا للفتيات أحببت وضعها هنا عسى أن يترك أثره ، بقلم الأديب الكبير : علي الطنطاوي رحمه الله ، بعنوان :
يابنتي
...الشيخ: علي الطنطاوييا بنتي ,أنا رجل يمشي إلى الخمسين . قد فارق الشباب وودع أحلامه , ثم أني سحت في البلدان , ولقيت الناس , وخبرت الدنيا , فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي , لم تسمعيها من غيري . لقد كتبنا ونادينا ندعو إلى تقويم الأخلاق , ومحو الفساد , وقهر الشهوات حتى كلت منا الأقلام , وملت الألسنة , وما صنعنا شيئا ً ولا أزلنا منكرا ً , بل أن المنكرات لتزداد , والفساد ينتشر , والسفور والحسور والتكشف تقوى شرته , وتتسع دائرته , ويمتد من بلد إلى بلد , حتى لم يبق بلد إسلامي (فيما أحسب ) في نجوة منه , حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة , وفيها الغلو في حفظ الأعراض , وستر العورات , قد خرج نساؤها سافرات حاسرات , كاشفات السواعد والنحور .. ما نجحنا وما أظن أننا سننجح . أتدرين لماذا؟ لأننا لم نهتد إلى اليوم إلى باب الاصلاح , ولم نعرف طريقه , إن باب الاصلاح أمامك أنت يا بنتي , ومفتاحه بيدك , فإذا آمنت بوجوده , وعملت على دخوله , صلحت الحال . صحيح أن الرجل هو الذي يخطو الخطوة الأولى في طريق الإثم , لا تخطوها المرأة أبدا ً , ولكن لولا رضاك ما أقدم , ولولا لينك ما اشتد , أنت فتحت له , وهو الذي دخل , قلت للص : تفضل .. فلما سرقك اللص , صرخت أغيثوني يا ناس سرقت ... ولو عرفت أن الرجال جميعهم ذئاب وأنت النعجة , لفررت فرار النعجة من الذئب , وأنهم جميعا ً لصوص , لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص.
وإذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها , فالذي يريد الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة , وشر عليك من الموت عليها : عفافك الذي به تشرفين , وبه تفخرين , وبه تعيشين , وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها , أشد بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها .. أي والله , وما رأى شاب فتاة إلا جردها من ثيابها ثم تصورها بلا ثياب .
أي والله , أحلف لك مرة ثانية , ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال , من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها , وأنهم يكلمونها كلام الرفيق , ويودونها ود الصديق , كذاب والله , ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم , لسمعت مهولا ً مرعبا ً , وما يبسم لك الشاب بسمة , ولا يلين لك كلمة , ولا يقدم لك خدمة , إلا وهي عنده تمهيد لما يريد , أو هي ايهام لنفسه أنها تمهيد : وماذا بعد ؟ ماذا يا بنت ؟ فكري !
تشتركان في لذة ساعة , ثم ينسى هو , وتظلين أنت أبدا ً تتجرعين غصصها , يمضي ( خفيفا ً ) يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها , وينوء بك أنت (ثقل ) الحمل في بطنك والهم في نفسك والوصمة على جبينك . يغفر له هذا المجتمع الظالم , ويقول شاب : ضل ثم تاب , وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة , لا يغفر لك المجتمع أبدا ً . ولو أنك إذ لقيته نصبت له صدرك , وزويت عنه بصرك , وأريته الحزم والأعراض .. فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد , وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد , نزعت حذاءك من رجلك , ونزلت به على رأسه , لو أنك فعلت هذا , لرأيت من كل من يمر في الطريق عونا لك عليه , ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار , ولجاءك (ان كان صالحا ً ) تائبا ً مستغفرا ً , يسأل الصلة بالحلال : جاءك يطلب الزواج .
والبنت , مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه , لا تجد أملها الأكبر وسعادتها إلا في الزواج , في أن يكون زوجا ً صالحة وأما ً مرموقة , وربة بيت , سواء في ذلك الملكات والأميرات , وممثلات هوليوود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء . وأنا أعرف أديبتين كبيرتين في مصر والشام , اديبتن حقا ً , جمع لهما المال والمجد الأدبي , ولكنهما فقدتا الزواج ففقدتا العقل وصارتا مجنونتين , ولا تحرجيني بسؤالي عن الأسماء أنها معروفة !
الزواج أقصى أماني المرأة ولو صارت عضوة البرلمان , وصاحبة السلطان . والفاسقة المستهترة لا يتزوجها أحد وحتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج , ان هي غوت وسقطت تركها وذهب إذا أراد الزواج , فتزوج غيرها من الشريفات , لأنه لا يرضى أن تكون ربة بيته وأم بنته , امرأة ساقطة .
والرجل اذا كان فاسقا ً داعرا ً , اذا لم يجد في سوق اللذات بنتا ً ترضى أن تريق كرامتها على قدميه , وأن تكون لعبة بين يديه , اذا لم يجد البنت الفاسقة أو البنت المغفلة , التي تشاركه في الزواج على دين إبليس , وشريعة القطط في شباط , طلب من تكون زوجته على سنة الاسلام , فكساد الزواج منكن يا بنات , لو لم يكن منكن الفاسقات ما كسدت سوق الزواج ولا راجت سوق الفجور .. فلماذا لا تعملن ؟ لماذا لا تعمل شريفات النساء على محاربة هذا البلاء ؟ أنتن أولى به وأقدر عليه منا لأنكن أعرف بلسان المرأة وطرق افهامها لأنه لا يذهب الفساد إلا أنتن : البنات العفيفات الشريفات البنات الصينات الدينات في كل بيت من بيوت الشام بنات في سن الزواج لا يجدن زوجا ً , لأن الشباب وجدوا من الخليلات ما يغني عن الحليلات ولعل هذا في غير الشام أيضا ً .. فألفن جماعات منكن من الأديبات والمتعلمات ومدرسات المدرسة وطالبات الجامعة تعيد أخواتكن الضالات إلى الجادة , خوفنهن الله , فإن كن لا يحذرنه , فخاطبنهن بلسان الواقع , قلن لهن : أنكن صبايا جميلات فلذلك يقبل الشباب عليكن , ويحومون حولكن , ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال ؟ ومتى دام في الدنيا شيء حتى يدوم على الصبية صباها وعلى الجميلة جمالها فكيف بكن إذا صرتن عجائز محنيات الظهور , مجعدات الوجوه ؟ّ! من يهتم يومئذ بكن؟ ومن يسأل عنكن ؟ أتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها ؟ أولادها وبناتها , حفدتها وحفيداتها . هنالك تكون العجوز ملكة في رعيتها , ومتوجة على عرشها على حين تكون ( الأخرى ... ) أنتن أعرف بما تكون عليه ؟
فهل تساوي هذه اللذات تلك الآلام ؟ وهل تشتري بهذه البداية تلك النهاية ؟
وأمثال هذا الكلام , لا تحتجن إلى من يدلكن عليه ولا تعدمن وسيلة إلى هداية أخواتكن المسكينات الضالات , فان لم تستطعن ذلك معهن , فاعملن على وقاية السالمات من مرضهن , والناشئات الغافلات من أن يسلكن طريقهن .
وأنا لا أطلب منكن أن تعدن بالمرأة المسلمة اليوم , بوثبة واحدة إلى مثل ما كانت عليه المرأة المسلمة حقا ً , لا وأني لأعلم أن الطفرة مستحيلة في العادة , ولكن أن ترجعن إلى الخير خطوة خطوة , كما اقبلتن على الشر خطوة خطوة , انكن قصرتن شعرة شعرة , ورققتن الحجاب , وصبرتن الدهر الأطول , تعملن لهذا الانتقال والرجل الفاضل لا يشعر به , والمجلات الداعرة تحث عليه والفساق يفرحون به حتى وصلنا إلى حال لا يرضى بها الاسلام ؟
ولا ترضى بها النصرانية , ولم يعملها المجوس الذين نقرأ أخبارهم في التاريخ , إلى حال تأباها الحيوانات .
إن الديكين إذا اجتمعا على الدجاجة اقتتلا غيرة وذودا ً عنها , وعلى الشواطىء في الاسكندرية وبيروت رجال مسلمون , لا يغارون على نسائهم المسلمات أن يراهن الأجنبي , لا أن يرى وجوههن ... ولا أكفهن ... ولا نحورهن ... بل كل شيء فيهن ! كل شيء إلا الشيء الذي يقبح مرآه ويجمل ستره , وهو العورتين , وحلمتا الثديين ... وفي النوادي والسهرات ( التقدمية ) الراقية , رجال مسلمون يقدمون نساءهم المسلمات للأجنبي ليراقصهن ويضمهنن حتى يلامس الصدر الصدر , والبطن البطن , والفم الخد , والذراع ملتوية على الجسد , ولا ينكر ذلك أحد , وفي الجامعات المسلمة شبان مسلمون يجالسون بنات مسلمات متكشفات باديات العورات , ولا ينكر ذلك الآباء المسلمون ولا الأمهات المسلمات , وأمثال هذا كثير , لا يدفع في يوم واحد ولا بوثبة عاجلة , بل أن نعود إلى الحق من الطريق الذي وصلنا منه إلى الباطل وجدناه الآن طويلا ً – وان من لا يسلك الطريق الطويل الذي لا يجد غيره لا يصل أبدا ً – وأن نبدأ بمحاربة الاختلاط , والاختلاط غير السفور , وأنا لا أمنع من كشف الوجه , ان كان لا يتحقق بكشفه الضرر على الفتاة والعدوان على عفافها , وأراه عند أمن الفتنة خير من هذا الذي نسميه في بلاد الشام حجابا ً , وما هو إلا ستر المعايب , وتجسيم للجمال وإغراء للناظر .
السفور إن اقتصر على الوجه _كما خلق الله الوجه _ نقبل به وان كنا نرى الستر أحسن وأولى . وأما الاختلاط فشيء أخر وليس يلزم من السفور أن تختلط الفتاة بغير محارمها , وأن تستقبل المرأة السافرة صديق زوجها في بيتها , أو أن تحييه إن لقيته في الترام , أو لقيته في الشارع , وأن تصافح البنت رفيقها في الجامعة أو أن تصل الحديث بينها وبينه , أو أن تمشي معه في الطريق , وتستعد معه للامتحان , وتنسى أن الله جعلها أنثى وجعله ذكرا ً , وركب في كل الميل إلى الآخر , فلا تستطيع هي ولا هو ولا أهل الأرض جميعا ً , أن يغيروا خلقة الله , وأن (يساووا) بين الجنسين , أو أن يمحوا من نفوسهم هذا الميل , وان دعاة المساواة والاختلاط باسم المدنية قوم كذابون من جهتين : كذابون لأنهم ما أرادوا من هذا كله إلا أمتاع جوارحهم , وإرضاء ميولهم , وإعطاء نفوسهم حظها من لذة النظر , وما تأملون به من لذائذ أخر ولكنهم لم يجدوا الجرأة على التصريح به , فلبسوه بهذا الذي يهرفون به من هذه الألفاظ الطنانة , التي ليس وراءها شيء: التقدمية , والتمدن والحياة الجامعية , وهذا الكلام الفارغ ( على دويه ) من المعنى فكأنه الطبل .
وكذابون لأن أوروبا التي يأتمرون بها , ويهتدون بهديها ولا يعرفون الحق إلا بدمغتها , عليها , فليس الحق عندهم الذي يقابل الباطل ولكن ما جاء من هناك : من باريس ولندن ونيويورك , ولو كان الرقص والخلاعة , والاختلاط في الجامعة , والتكشف في الملعب والعري على الساحل والباطل ما جاء من هنا : من الأزهر والأموي وهاتيك المدارس الشرقية , والمساجد الاسلامية ولو كان الشرف والهدى والعفاف والطهارة , طهارة القلب وطهارة الجسد . إن في أوروبا وفي أمريكا , كما قرأنا وحدثنا من ذهب إليها , أسر كثيرات لا ترضى بهذا الاختلاط و لا تسيغه , وأن في باريز ( باريس يا ناس ) آباء وأمهات لا يسمحون لبناتهم الكبيرات أن يسرن مع شاب , أو يصحبنه إلى السينما , بل هم لا يدخلونهن إلا إلى روايات عرفوها وأيقنوا بسلامتها من الفحش والفجور , اللذين لا يخلو منها مع الأسف واحد من هذه التهريجات والصبيانات السخيفة التي تسميها شركا مصر الهزيلة الرقيعة الجاهلة بالفن السينمائي مثل جهلها بالدين , تسميها أفلاما ً .
يقولون : ان الاختلاط يكسر شره الشهوة , ونهذب الخلق , وينزع من النفس هذا الجنون الجنسي . أنا أحيل الجواب على من جرب الاختلاط في المدارس , روسيا التي لا تعود إلى دين , ولا تسمع رأي شيخ ولا قسيس , ألم ترجع عن هذه التجربة لما رأت فسادها ؟ وأميركا , ألم تقرأوا أن من جملة مشاكل أميركا ازدياد نسبة ( الحاملات ) من الطالبات ! فمن يسره أن يكون في جامعات مصر والشام وسائر بلاد الإسلام مثل هذه المشكلة ؟ وأنا لا أخاطب الشباب ولا أطمع في أن يردون علي ويسفهون رأيي لأني أحرمهم من لذائذ ما صدقوا أنهم وصلوا إليها حقا ً.
ولكن أخاطبكن أنتن يا بناتي المؤمنات الدينات , يا بناتي الشريفات العفيفات انه لا يكون الضحية إلا أنتن , فلا تقدمن نفوسكن ضحايا على مذبح إبليس , لا تسمعن كلام هؤلاء الذين يزينون لكن حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية والتقدمية والحياة الجامعية . فإن أكثر هؤلاء الملاعين لا زوجة له ولا ولد ولا يهمه منكن إلا اللذة العارضة , أما أنا فإني أبو أربع بنات فأنا حين أدافع عنكن أدافع عن بناتي وأنا أريد لكن الخير ما أريد لهن .
انه لا شيء مما يهرف به هؤلاء يرد على البنت عرضها الذاهب , ولا يرجع لها شرفها الملثوم ولا يعيد لها كرامتها الضائعة , واذا سقطت البنت لم تجد واحدا ً منهم يأخذ بيدها أو يرفعها من سقطتها إنما تجدهم جميعا ً يتزاحمون على جمالها ما بقي فيها من جمال . فإذا ولى ولوا عنها كما تولي الكلاب عن الجيفة التي لم يبق فيها مزعة لحم !
هذه نصيحتي إليك يا بنتي وهذا هو الحق فلا تسمعي وأعلمي أن بيدك أنت لا بأيدينا معشر الرجال بيدك مفتاح باب الإصلاح فإذا شئت اصلحت نفسك واصلحت بصلاحك الأمة كلها .
والسلام عليكم ورحمة الله.